(قصة قصيرة للكاتب: محمد السيد طراد)
رجل فلاح بسيط يعيش في قرية مع زوجته وأولاده ويرعى والدته المسنة،
ويعمل في عزبة الباشا، ويخرج كل يوم لمعاناته التي لا مفر منها، تقول له زوجته: ماذا
ستفعل اليوم لتهرب من الكلب؟ يقول وهو كئيب: ربنا يسترها، ولا بد أن يخرج ليحضر
الطعام لأولاده الجياع وزوجته وأمه المريضة، فهو يمر كل يوم من أمام قصر الباشا، وفي القصر كلب يحرسه، ويجري وراء الرجل يوميًّا.
والرجل يسرع ويقوم بعمل حيل للهروب منه، ويعاني من ذلك كل يوم ولا يستطيع التبرم ولا التكلم بكلمة للباشا، وذات يوم جرى
الكلب وراء الرجل، والرجل يركض وهو ينظر خلفه تعثر فوقع على الأرض، فأمسك الكلب
رجله وأخذ يعضه فصرح الرجل تجمع بعض المارة من الفلاحين ولم يجرؤ أحد أن يضرب كلب الباشا بعصاته
لينقذ الرجل ...
والرجل يصرخ ويرفع صوته مستغيثًا ولا مغيث، حتى ضرب الكلب برجله فتركه وعاد للمنزل وجاء
الحارس متأخرا ليأخذ الكلب ويرى الرجل ملقى على الأرض ويتركه ويعود مسرعا إلى القصر، اغتاظ
الرجل وذهب إلى الشرطة ليقوم بعمل بلاغ حتى لا يحدث له ذلك مرة أخرى، جاء للضابط يحكي له ولم يكترث
الضابط له، بل نصحه أن يمشي من المكان لأن هذا جنون منه، وفجأة يرن جرس التليفون القديم، ويرد
الضابط وهو جالس واضعا رجل على رجل ثم فجأة ينتفض واقفا (ويلبس الكاب) ويقول: أهلا وسهلا سعادة
الباشا مرني يا فندم... نعم أمامي هنا .. واقف هنا .. حاضر يا فندم... وأغلق الخط وطلب من الشاويش الحضور...
وقال له: خذ هذا الرجل وارميه في الحجز، والرجل يصرخ لماذا يا باشا ؟ طيب اتركني لأمشي كما كنت
تقول لي؟ لم يكترث الضابط، والشاويش بمسك بتلابيبه كأنه لص ومجرم ويقول: امشي فوت قدامي... وأخذه..
ثم أمسك الضابط بورقة وقلم... وذهب الرجل إلى السجن .. وقضى يوما وليلة بين المجرمين لا يعرف
مصير أهله ولا يعرفون عنه شيئا... ثم جاء اليوم التالي وفتح بابا السجن ونادوا عليه فقال نعم وفرح أنه مفرج
عنه وهنأه الموجودين بالإفراج... خرج مع العسكري وذهب للضابط وقال له وقع على المحضر قال له لا أعرف القراءة
ولا التوقيع، معايا ختم يا بيه... قال له اختم هنا ..
فختم الرجل وقال له شكرا يا باشا.. قاطعه الضابط قائلا: خده يا عسكري
وكلبشه وروح بيه للنيابة.. قال لماذا يا باشا انا عملت ايه؟ فجذبه العسكري وقال
له: (ما تعكرشي مزاج الباشا) فوت قدامي.. وأخذه العسكري والرجل يولول وينوح أولادي
ومراتي وأمي اطمن عليهم اكلوا ولا لأ طيب أطمنهم والعسكري لا يكترث ويجره جرا... ذهب الرجل وانتظر مع العسكري
دوره للدخول إلى النيابة.. وهو في ذهول ويقول في نفسه أول مرة آجي البندر أدخل فيها النيابة ...
وهو يتعجب من الازدحام وهذا ذاهب وهذا آتي وهذا معه أوراق وآخر يحمل الشاي .. ثم نادى رجل عليه فأخذه
الضابط ودخل به لوكيل النيابة... قال وكيل النيابة للرجل: لماذا عضضت الكلب يا رجل؟
ذُهل الرجل وأخذ يتلفت هل سمع هذا الكلام غيره أحد ولم يكترث له
أحد؟؟ فقال الرجل: الكلب هو اللي عضني با باشا! فانتفض وكيل النيابة وقال: انت شكلك
متعب، وهتكدب من أولها، التقرير اللي قدامي من طبيب الوحدة البيطرية بيقول: (إنك أنت اللي عضيت
الكلب) وكمان الكلب مكتئب، ويحتاج لعلاج نفسي لمدة ثلاثة أشهر ... عليه أمرنا بحبسك 4 أيام
للتحقيق معك.. والرجل يستمع في ذهول ولا يتكلم وكأنه وقع عليه جبل ثقيل لا يستطيع حمله ... فوقع الرجل
مغشيًا عليه.. واستفاق فوجد نفسه في سجنه ... ولم ينته من البكاء طيلة أيامه التي قضاها في السجن، وقال في
نفسه: لعل القاضي ينصفني.. وعندما ذهب إلى المحكمة دخل القاعة وتأهب أن
يتكلم لما سمع اسمه من الحاجب، فقال القاضي: اصمت يا رجل القضية أمامي، حكمت المحكمة على المتهم
(الغلبان بن الكحيان) بالسجن ثلاثة أشهر مع الشغل والنفاذ.. فسمع صوتا يقول: يحيا العدل يحيا العدل
رجت أرجاء المحكمة ... فوجد الرجل أن قدميه لا تستطيعا حمله فوقع على الأرض، وهو لا يجد ما يقوله.. ووجد
نفسه يجهش بالبكاء..!!
تتكرر هذه القصة مرات ومرات عندما يسعى فرد لمحاربة فساد ما ويجد نفسه في وش المدفع ويتم تلفيق أي تهمة له ويشهد عليه زملاؤه ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق